ندرة الموارد المائية في جهة سوس ماسة تستنهض مسؤولية مختلف المتدخلين للحد من الاستفحال المتنامي للظاهرة
شهدت منطقة سوس ماسة في العقود الأخيرة عجزا متفاقما في الموارد المائية خاصة منها الجوفية ، وذلك بفعل الطلب المتزايد على هذه المادة الحيوية لسقي المنتجات الفلاحية حيت تنتج المنطقة أزيد من 60 في المائة من صادرات المغرب من الخضر والبواكير ،فضلا عن تزويدها للسوق الوطنية بكميات كبيرة من حاجياتها من الخضر وبعض أصناف الفواكه
وقد ألقى ضعف التساقطات المطرية في هذه المنطقة خلال العقود الأخيرة ، وعدم انتظاميتها بثقله على إشكالية ندرة الموارد المائية في جهة سوس ماسة ، حيث أصبح الجفاف ظاهرة هيكلية في هذه المنطقة المطبوعة بمناخها الجاف وشبه الجاف ، والتي لا يتجاوز فيها معدل التساقطات المطرية 150 ميليمتر سنويا في السهول ، و 600 ميليمتر سنويا في قمم الجبال
وكنتيجة لتوالي سنوات الجفاف في المنطقة ، تقلصت واردات المياه السطحية في منطقة سوس ماسة ، الشيء الذي دفع بالمزارعين إلى التوجه صوب استغلال المياه الجوفية التي ازداد الطلب عليها بفعل توسع المساحات الزراعية في سهل سوس ومنطقة اشتوكة ، ومقابل ذلك ظلت عملية تغذية الفرشة المائية الباطنية جد محدودة ، ومنعدمة في بعض الأحيان ، مما نتج عنه استنزاف كبير للفرشة المائية الباطنية
وتشير المعطيات الصادرة عن وكالة الحوض المائي لسوس ماسة إلى أن مجموع الموارد المائية في المنطقة تصل الى 1 مليار و 271 مليون متر مكعب سنويا سواء منها الموارد السطحية أو الجوفية ، كما أن السدود الكبرى الثمانية المتوفرة في المنطقة توفر حقينتها 765 مليون متر مكعب من المياه ، تضاف إليها حقينة بمقدار 4ر1 مليون متر مكعب متوفر في السدود التلية
غير أن هذا الرصيد من الثروة المائية في سوس ماسة لا يفي بحاجيات المنطقة من هذه المادة الحيوية والضرورية لاستمرار الانشطة الاقتصادية التي تشكل العمود الفقري للنسيج الاقتصادي بالجهة ، وفي مقدمتها النشاط الفلاحي الذي يستحوذ على الجزء الأكبر من كميات المياه المستغلة في هذه المنطقة حيث تشير وكالة الحوض المائي إلى أن الضغط على الفرشة المائية الباطنية لتلبية حاجيات النشاط الزراعي من المياه أدى إلى حدوث عجز في الموارد المائية يصل 271 مليون متر مكعب سنويا
وقد أدى هذا العجز المتفاقم في الموارد المائية الجوفية سنة بعد أخرى إلى انحدار خطير في مستوى الفرشة المائية الباطنية، مما أدى في بعض المناطق إلى نضوب الفرشة المائية بشكل كلي، وفي مناطق أخرى إلى زحف مياه البحر المالحة على اليابسة مما يندر بوقوع كارثة بيئية
وإزاء هذه الوضعية المثيرة للقلق، أقدمت وكالة الحوض المائي لسوس ماسة وعدد من المتدخلين ، في مقدمتهم مجلس جهة سوس ماسة ، والمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لسوس ماسة ، وجمعية “أكروطيك” للبحث الزراعي ، منذ أزيد من عقد من الزمان على اتخاذ مجموعة من الإجراءات التشاركية لوقف نزيف الاستغلال المفرط والعشوائي للثروة المائية في المنطقة ، وبالتالي توفر سبل استدامة المجهود التنموي للمنطقة ، خاصة في شقه المتعلق بالنشاط الزراعي
ومن جملة الإجراءات العملية التي تم اتخاذها في هذا الصدد هناك إنشاء “لجنة عقدة الفرشة المائية” سنة 2006، كما تم توقيع “اتفاقية إطار للحفاظ على الموارد المائية وتنميتها”سنة 2007 ، وذلك بعد سلسلة طويلة من المشاورات المضنية مع مجموعة من الفرقاء في مقدمتهم الهيئات المهنية ذات الصلة بالنشاط الفلاحي
وسيرا على هذا النهج عملت وكالة الحوض المائي وشركاؤها على اتخاذ مجموعة أخرى من الإجراءات في مجال الري الزراعي من ضمنها تحويل نظام السقي بالطرق التقليدية على مساحة 50 ألف هكتار إلى نظام السقي بالتنقيط ، وتوقيف عملية توسيع المدارات المسقية ، ووقف ضخ المياه الجوفية في المدارات العصرية المسقية بمياه السدود ، وتحسين مردودية شبكات الري وأنواع المزروعات… وهذا ما أدى إلى توفير حوالي 144 مليون متر معكب من المياه سنويا
غير أن هذه الإجراءات برمتها لم تكن كافية للحيلولة دون احتمال وقوع كارثة بيئية لاسيما في ظل التغيرات المناخية التي يعرفها العالم ، وتتأثر بها منطقة سوس ماسة بشكل كبير، الشيء الذي دفع بوكالة الحوض المائي لسوس ماسة إلى البحث عن سن إجراءات إضافية كفيلة بالحفاظ على الثروة المائية في منطقة نفوذها وضمان استدامتها
وفي هذا السياق، بادرت الوكالة أمس الاربعاء بتنظيم يوم دراسي في أكادير حول موضوع تفعيل آليات مراقبة الملك العام المائي تحت شعار “حماية الملك العام المائي مسؤولية مشتركة”، والذي تميز بمشاركة عدد من الأخصائيين في مجال المياه،إلى جانب ممثلين عن قطاعات أخرى ذات صلة بموضوع المياه وفي مقدمتهم ممثلي قطاعات البيئة والفلاحة والعدالة والدرك الملكي والمجتمع المدني
وتراهن وكالة الحوض المائي لسوس ماسة على تضافر جهود مختلف هؤلاء الفرقاء ، وفق مقاربة تشاركية وتعاقدية كسبيل أنجع لإعادة التوازن لاستغلال الموارد المائية ، حيث تعتبر الوكالة أن مراقبة الملك العام المائي تشكل إحدى الآليات القانونية التي يمكن توظيفها من أجل حماية الثروة المائية وضمان استدامتها لما فيه خير ومصلحة الأجيال القادمة